تُظهر الاكتشافات العلمية الحديثة أن فهمنا للمجموعة الشمسية لا يزال يتطور. ففي حين كنا نعتقد لسنوات أن الزهرة هو جارنا الأقرب، تشير حسابات جديدة إلى أن عطارد قد يكون الأقرب إلينا في المتوسط. وفي سياق متصل، كشفت أبحاث أخرى عن الدور الحاسم الذي لعبه كوكب المشتري في نجاة كوكبنا وحمايته من الموت المبكر.
الزهرة: الجار الأقرب… أم معلومة شائعة؟
لطالما ساد الاعتقاد بأن كوكب الزهرة هو “جار الأرض الأقرب”، وهو ما تؤكده العديد من المواقع المتخصصة مثل “قاموس الفضاء” وحتى الأدبيات الصادرة عن وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”. ويستند هذا الاعتقاد إلى حقيقة أن الزهرة هو الكوكب الذي يمر بأقرب مسافة من الأرض أثناء دورانهما.
عند أقرب نقطة، تصل المسافة بينهما إلى 0.28 وحدة فلكية فقط (الوحدة الفلكية تساوي متوسط بعد الأرض عن الشمس). لكن هذه المعلومة لا تأخذ بعين الاعتبار أن الكوكبين يقضيان وقتاً طويلاً في جانبين متقابلين من الشمس، حيث تصل المسافة بينهما أحياناً إلى 1.72 وحدة فلكية.
حسابات جديدة ترجح كفة عطارد
الآن، يطرح باحثون من جامعة ألاباما، بقيادة توم ستوكمان، طريقة حسابية مختلفة نُشرت في موقع “الفيزياء اليوم”. فبدلاً من الاعتماد فقط على متوسط بعد الكوكب عن الشمس لتقدير المسافة، وهو ما اعتبره الفريق غير دقيق، قاموا بحساب متوسط المسافة بين الكواكب مقسوماً على الزمن.
وباستخدام محاكاة تفترض مدارات شبه دائرية وغير مرتبطة بزاوية نسبية فيما بينها، وجد الباحثون أنه إذا أخذنا المعدل العام للزمن، فإن كوكب عطارد، وليس الزهرة، هو الأقرب إلى الأرض “بالمتوسط العام”. هذه المعلومة، إن تم اعتمادها، ستغير حقيقة أساسية في معرفتنا الفلكية.
المشتري: المنقذ الذي حمى الأرض
بعيداً عن جيراننا المباشرين، وفي نظرة إلى تاريخ المجموعة الشمسية، كشفت دراسة أخرى أجراها علماء الكواكب أندريه إيزيدورو وبايبهاف سريفاستافا من جامعة رايس في تكساس، عن دور كوكب المشتري الحاسم في بقائنا. فبحسب العلماء، لولا المشتري، لربما لم نكن هنا اليوم، ولكان مصير الأرض الاصطدام بالشمس.
تُظهر عمليات المحاكاة الحاسوبية لنمو المشتري المبكر أنه عمل “ككرة هدم” في النظام الشمسي اليافع. بقوة جاذبيته الهائلة، أحدث المشتري تموجات وفجوات في القرص الغباري المحيط بالشمس، مما خلق ما أسماه الباحثون “اختناقات مرورية كونية”.
هذه الاختناقات منعت الجزيئات الصغيرة والمواد الصلبة من الانجراف والاندفاع نحو الشمس بفعل جاذبيتها. وبدلاً من ذلك، تجمعت هذه الجزيئات المحتجزة لتشكل “بذور” الكواكب التي نراها اليوم، بما في ذلك كوكبنا.
حل لغز النيازك القديمة
لا يتوقف دور المشتري عند هذا الحد، بل يقدم نموذج الباحثين حلاً للغز طال أمده حول تكوين النيازك، وتحديداً “الكوندريت” (Chondrites)، وهي نوع من النيازك الصخرية.
تعتبر الكوندريت بمثابة “كبسولات زمنية” من فجر المجموعة الشمسية. ويوضح إيزيدورو أنها حافظت على مكوناتها الأولية “البكر” بشكل أفضل من النيازك الأولى التي تأثرت بحرارة الشمس وإشعاعها الشديدين.
كان اللغز هو: لماذا تشكلت بعض هذه النيازك في وقت متأخر جداً (بعد 2 إلى 3 ملايين سنة من تشكل المواد الصلبة الأولى)؟
يوضح سريفاستافا أن المشتري، بنموه المبكر وفتحه فجوة في قرص الغاز، هو من خلق الظروف لولادتها المتأخرة. لقد حمى هذا الفاصل المواد الموجودة في النظام الشمسي الداخلي والخارجي، وحافظ على “بصماتها النظائرية” المتميزة، وفي الوقت نفسه خلق مناطق جديدة سمحت بتكون أجيال لاحقة من الكواكب المصغرة.


